توَّج تاريخ السينما المصرية الفنان الراحل عبد الفتاح القصري ضمن أبرز نجوم الكوميديا، الذين نجحوا في وضع بصمتهم القوية على أعمالهم ولا يزال يتذكرهم الجمهور بأفيهاتهم ولزماتهم العفوية وتتناقلها الأجيال الجديدة حتى يومنا هذا، أما الفنان الراحل فكانت لديه سمّة فريدة في بنيانه الجسماني القصير وحَوَل إحدى عينيه وطريقته المميزة في الحديث والتمثيل.
ولد عبد الفتاح القصري في 15 نيسان/أبريل العام 1905 في حي الجمالية، وكان والده ثريًا يعمل في تجارة الذهب، وقد درس في مدرسة الفرير الفرنسية وتخرج في مدرسة القديس يوسف في حي الخرنفش.
بدأ مشواره الفني رغم عدم رضاء والده والتحق بفرقة عبد الرحمن رشدي المسرحية وفرقتي عزيز عيد وفاطمة رشدي وبعدها فرقة نجيب الريحاني، وسريعًا ما التقطه مخرجو السينما وقدموه في الكثير من الأفلام، حتى أنه ضحى بنصيبه من ميراث والده، الذي لم يقتنع يومًا بموهبته.
وبعد وفاة الريحاني ترك الفرقة لعدم اتفاقه مع مديرها الجديد آنذاك بديع خيري، وانضم إلى فرقة إسماعيل ياسين العام 1954، وشارك مع صاحبها في بعض الأفلام البارزة مثل “إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين” و”إسماعيل ياسين في متحف الشمع” و”حرام عليك”.
من أكثر أفلامه شهرة على الإطلاق “سي عمر” مع ميمي شكيب و”سكر هانم” مع عبد المنعم إبراهيم و”الآنسة حنفي” مع زينات صدقي و”ابن حميدو” مع هند رستم و”لعبة الست” مع تحية كاريوكا و”ليلة الدخلة” مع حسن فايق و”الأستاذة فاطمة” مع فاتن حمامة و”قمر 14″ مع كاميليا و”حماتي قنبلة ذرية” مع ماري منيب و”فيروز هانم” مع الطفلة فيروز و”عنتر ولبلب” مع شكوكو و”مليون جنيه” مع نعيمة عاكف و”القلب له أحكام” مع أحمد رمزي و”بين إيديك” مع شكري سرحان.
وقبل سنوات من وفاة عبد الفتاح القصري أصيب بفقدان بصر مفاجئ خلال أداء دوره في إحدى المسرحيات مع فرقة إسماعيل ياسين، وظلّ يصرخ على المسرح فاعتقد الجمهور أنه يمثل فزادت ضحكاتهم، لكن ياسين أدرك المأساة وأوقف العرض ونقل صاحبه إلى المستشفى.
وتبين من الفحص الطبي ارتفاع نسبة السكر لديه بشكل مفاجئ ما أدى إلى إصابته بفقدان البصر، ولم يكن الزمن رحيمًا به إلى هذا الحد بل تعرض لصدمة أخرى من زوجته التي كانت تصغره بأعوام كثيرة؛ إذ أجبرته على تطليقها لتتزوج من شاب كان عبد الفتاح القصري يرعاه بنفسه لمدة 15 عامًا، بل وكان يعتبره بمثابة ابنه الذي لم ينجبه.
الزوجة الشابة أقامت مع زوجها الجديد في شقة الفنان الراحل بينما كان يعيش الأخير في غرفة صغيرة داخل الشقة ذاتها، فأصيب باكتئاب حاد وتصلب في الشرايين وفقدان للذاكرة، فأخذته شقيقته إلى منزلها في حي الشرابية لرعايته بنفسها بعد أن تنكر له غالبية معارفه.
وبعدما نشرت وسائل الإعلام قصته تلك خاطبت الفنانتان نجوى سالم وماري منيب الحكومة المصرية لتوفير مسكن خاص له، وقررت نقابة الممثلين صرف إعانة عاجلة له ومعاش شهري، كما تبرع الاديب المصري يوسف السباعي بـ50 جنيهاً لشراء غرفة نوم له، وقادت النجمة هند رستم حملة كبيرة بين الفنانين للتبرع لزميلهم عبد الفتاح القصري.
ولكنه توفي في مستشفى المبرّة يوم ٨ آذار/مارس العام ١٩٦٤، ولم يحضر جنازته سوى عدد قليل من المشيّعين هم شقيقته ونجوى سالم وجيرانه.