يُحكى أن حطابًا مسنًّا كان يتوغل في الغابة يبحث عن شجرةٍ مناسبةٍ ليقطعها، فإذا به يرى ثعبانًا أعمى ملتوٍ على أحد فروع الأشجار وفاتحًا فاه، فوقع طيرٌ عليه اعتقادًا منه أنه غصن شجرة، فأطبق الثعبان فكّيه والتهمه.انحدرت دمعةٌ من عين الحطاب المسنّ ثم رفع بصره للسماء وقال: اللهم قد كبُر سنّي، ورقّ عظمي، واحدودب ظهري، ولولا أن لي زوجةً وعيالاً أُطعمهم مابقيتُ على هذا العمل، وها أنا أراك ترزق هذا الثعبان الأعمى من غير حولٍ منه ولا قوة، فيارب ارحم شيخًا كبيرًا وارزقني كما رزقته.رجع الحطاب إلى بيته خاوي اليدين على غير عادته، فسألته زوجته أين طعام الصبية؟ فقال لها: الذي رزق الثعبان يرزقهم! _ ما تقولُ يا رجل؛ وعن أي ثعبانٍ تتحدث؟! _ هو ما سمعتِ يا امرأة…في هذه الأثناء طرق جاره اليهودي الباب وطلب منه حماره ليستعين به، فقال الحطاب: ولكنك تملك تسعة حمير! قال نعم، ولكن العمل كثير هذا اليوم، فأعطاه إياه رغم معرفته بأنه شحيحٌ خبيث الطباع يعيش وحيدًا ولا يحبه أحد..ساق اليهودي الحمير إلى الجبل ثم دخل كهفًا مهجورًا لا يعلم مكانه غيره، فصار يُخرج منه دنانير ذهبية ويملؤ الجرار الموجودة على ظهور الحمير ثم يغطي فوّهتها بطبقةٍ رقيقةٍ من التراب حتى لا يفطن إليها أحد؛ وقبل أن يهمّ بالارتحال بعيدًا عن هذه المدينة تذكّر أنه نسي عمامته بداخل الكهف، فما إن دخله ليحضرها حتى انهار الكهف عليه ومات. نزل حمار الحطاب من الجبل وتبعته البقية حتى وصل الدار. فسمع الحطاب جلبةً عند باب داره فلما خرج فوجئ بحماره وخلفه حمير اليهودي محمّلةً بالجرار!
وبينما كان يتفحّص الجرار إذا ببريقٍ يسطع من إحداها، وحين أزاح التراب صُعق لِما رأى..أسرع الحطاب إلى الوالي وأخبره بالأمر، فأرسل مجموعةً من الحرس يقتفون أثر اليهودي فوصلوا إلى الكهف وأخرجوا جثته، ولمّا لم يكن لليهودي من يرثه أُخذت الجِرار بما فيها من دنانير ذهبية إلى بيت مال المسلمين ودفع الوالي إلى الحطاب حماره بالجرار الموجودة على ظهره…رجع الحطاب إلى منزله غير مصدقٍ لما جرى، فسألته زوجته متلهفة: ما الذي حصل معك؟ فقال والسعادة تملؤ محيّاه: رزقني الله من غير حولٍ مني ولا قوة