تأتي أهمية مكتبات الأطفال من حيث إنها لا تفرض على الطفل لونا معينا من الكتب كما لو كان داخل الفصل المدرسى، بل تترك له حرية التنقل والاختيار لانتقاء ما يشاء وتحرص على أن تجعله يحب الكتاب ويتخذه صديقا له!
إن تعويد الطفل على القراءة وعلى التعرف على المكتبة مهمة مشتركة بين الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمكتبة نفسها، وهذا التعاون هو الكفيل وحده بإيجاد قارىء مطالع، ولو ألقينا نظرة فاحصة على مكتبات الأطفال في بلادنا لوجدنا أن وضعها يختلف من مكان لآخر خاصة في مجالات البنى الأساسية ورصيد الكتب ونوعية وعدد المشرفين وغير ذلك.
يكاد يقتصر وجود مكتبات الأطفال في بلادنا على المدن، في حين تفتقر القرى والأرياف والتجمعات السكنية الصغرى إليها، وفي ذلك حرمان لفئة كبيرة من أطفالنا من التعامل مع الكتاب والتعود عليه منذ الصغر، وإنه لحري بالجهات المسئولة إعداد مخطط شامل لتنفيذ برامج إنشاء مكتبات الأطفال في الأحياء والقرى والتجمعات، لأن المسئولية الملقاة على عاتق هذه المكتبات كبيرة، فهي الكفيلة بتعويد الطفل حب القراءة وغرس عادة المطالعة لديه. وهذا، يتطلب منها رسم خطة واضحة محكمة للانتقال من وضعها التقليدي الثابت إلى الوضع المتحرك النشيط المتفاعل مع الطفل، في هذا العصر الذي غلبت عليه النزعة العلمية والتقنية. إن وظائف هذه المكتبات تتعدى تزويد جمهور الأطفال بالكتب ومساعدتهم على التدريب على استعمال المكتبة إلى خلق الجو الملائم لتنمية عادة القراءة وإلى إغراء الأطفال بتهيئة الظروف المناسبة للبقاء فيها أطول مدة ممكنة، أو ربما للانتقال إليهم خارج أسوار المكتبة إذا لزم الأمر مثلما فعلت جانيت هيل من لندن وهي التي عملت في مجال مكتبات الأطفال مدة طويلة، حيث طرحت هذا السؤال: "إذا لم يحضر الأطفال إلى المكتبة ألا يجب ان نخرج نحن إليهم"؟ وتجيب عنه بثقة في إطار تجربتها الطويلة: نعم لابد أن تخرج مكتبة الأطفال إلى المجتمع. وقد اتجهت هذه السيدة إلى الأطفال تسرد عليهم القصص في المؤسسات التي ترعاهم مثل دور الحضانة والمراكز الرياضية والمسابح والحدائق والأحياء الشعبية.
إعادة تصميم المكتبة
إن الوضع العام لمكتباتنا يدعونا جميعا لمساعدتها على القيام بدورها في أحسن الظروف رغم بعض الصعوبات، وذلك بإعادة النظر في تصميم وهيكلة الفضاءات الداخلية للمكتبات، وبإيجاد وسائل تثير اهتمام الأطفال بدل الاكتفاء بالجانب التقليدي في عرض الكتاب وترك حرية اختيار الكتاب للطفل نفسه، وتزيين الجدران بلوحات ورسوم جذابة، وتوفير مقاعد ومناضد مريحة، وحتى سجاجيد لمن يرغب من الأطفال الصغار أن يقرأ مستلقيا، كما يمكن للمشرفين على المكتبات القيام ببعض النشاطات التي من شأنها أن تحبب الكتاب إلى الطفل بغض النظر عن الإمكانات والوسائل والظروف، وهذا كتخصيص بعض ساعات في الأسبوع ليسرد القصة والتعود على مناقشتها داخل المجموعة، وكالقيام بمسابقات في عرض وتقديم وتلخيص الكتب وإجازة النجباء، والتنسيق بين معلمي المدارس والمكتبة لحث تلاميذهم على ارتياد المكتبة وتنظيم أنشطة مشتركة، وكدعوة بعض الكتاب والرسامين والناشرين للقاء بهم والحديث عن تجاربهم، وإضافة إلى هذا كله، يمكن للمشرفين على مكتبات الأطفال دخول تجربة التنشيط التربوي انطلاقا من الكتاب وذلك بتوظيفه واستثماره في عدة أنشطة فنية وتعبيرية ومسرحية كالرسم والأناشيد والتراكيب السمعية البصرية وصنع الدمى والعرائس، ومثال لذلك نجد مكتبات هنغاريا، هذه الدولة التي تولي مسرح الدمى عناية كبيرة، حيث يقوم الأطفال في المكتبة بصنع دمى بأنفسهم كما يصممون ملابسها والمناظر وغيرها من اللوازم الضرورية معتمدين على الكتب من أجل عروض خاصة يقدمونها بأنفسهم، انطلاقا من الكتب التي يقرأونها داخل المكتبة حيث يتحول قسم من المكتبة إلى ورشة خاصة، مما يحدو بجهات الإشراف في بلادنا إلى ضرورة دعم هذا النشاط ماديا ولو بنسبة رمزية وإلى توفير الفضاءات الملائمة لممارسته وإلى دمج التكوين النفسي والبيداغوجي النظري والتطبيقى في برامج تكوين وتعليم أعوان المكتبات وإعداد العاملين حاليا في هذا الميدان لتأهيلهم للقيام بالتنشيط التربوي في بعض حصص عملهم المكتبي.
توفير كتاب الطفل
وتبقى إلى جانب ذلك كله، مسألة على غاية من الأهمية تعوز مكتباتنا، وهى عدم توافر كتب خاصة بالأطفال دون الثماني أو السبع سنوات تقريبا، رغم دقة هذه المرحلة وتأثيرها على تنمية الميول القرائية عند الطفل فإن المكتبات العامة في كثير من دول العالم تولي جانبا من اهتمامها للأطفال في سن الطفولة المبكرة من الثانية حتى السادسة وتشجع الأطفال على استخدام الكتب وترحب بهم في المكتبة، وجدير بالهيئات والجهات المختصة عندنا وفي سائر البلاد العربية تشجيع الكتاب والرسامين والناشرين والمبدعين إلى الالتفات بعناية لهذه المرحلة حتى تصبح مراحل التعود على استعمال الكتاب عند الطفل تصاعدية ومتوازنة ومتكاملة.