منتدى جنتنا
موضوع بعنوان :لماذا نخاف من سنوات عمرنا
الكاتب :Moha



%25D9%2585%25D8%25B1%25D9%2585%25D9%2588%25D8%25B1
لاشيء يرعب غالبية النساء أكثر من مرور سنوات العمر، لماذا ؟ وكيف لسبيل إلى التغلب على هذا الهاجس ؟...
من الأفكار السائدة عن النساء أنهن يخفين عددا من سنوات أعمارهن. تقول هذه الفكرة إن المرأ ة إذا بلغت الثلاثين، تدعي أنا في الخامسة والعشرين. وإذا بلغت الأربعين، تقول إنها في الخامسة والثلاثين. وإذا اقتربت من العام الخمسين ادعت أنها لاتزال في الأربعين.

أما إذا تجاوزت الخمسين وبدأت تقترب من العام الستين، فتبدأ في تجنب الخوض في أحاديث العمر وسنواته. وتبتعد كلما أمكن عن إثارة مثل هذه الموضوعات.
هذه الفكرة السائدة، لم توجد من الفراغ، وإنما نبعت ثم دعمت من توجهات عامة عاشتها أجيال بعد أجيال من النساء، كما أنها ليست فكرة سائدة في بلد بذاته أو إقليم جغرافي دون غيره من الأقاليم الجغرافي الأخرى. بل تبدو الفكرة وكأنها فكرة سائدة وإنسانية لا ترتبط بمكان، كما أنها لا ترتبط بزمان، نجدها في كل الأمكنة وكذلك في كل الأزمنة.
 family
"اللف والدوران"
أتذكر أن الجيل السابق على جيلي من نساء أسرتي كان شديد الحرص على عدم ذكر سنوات عمره كما تسجلها شهادات ميلاده، وإنما كان يراوغ ثم "يلف ويدور" حول الرقم الحقيقي. وكنا ونحن صغار، أشقياء وخبثاء، نسعى إلى الحقائق من مصادرها المتناقضة والمتعددة، وإذا توصلنا إلى الحقائق، بدأنا نشن حملة التشهير والتنكيت بالأمهات والخالات والعمات والجارات والصديقات لهن، أي كل اللاتي يتمسكن بالكذب الأبيض فيما يخص سنوات أعمارهن.
وبعد أن شب جيلي وأصبح يسعى إلى الحياة كجيل من الراشدين المسئولين، لاحظت أن بعض نساء هذا الجيل الجديد بدأن يسلكن ذات مسلك نساء الجيل السابق في المراوغة و "اللف والدوران" حول سنوات عمره، كما لاحظت أن الشباب الصغير من أسرتي بدأ هو الآخر يسلك نفس سلوكنا القديم ونحن صغار. بدأ يسعى إلى الحقائق من مصادر متناقضة وعديدة. وإذا امتلكها، تبدأ جولات التنكيت والتشهير. الفارق الوحيد أن الجيل الجديد من الشباب يمتلك ملكات أكثر طرافة وسعة أفق، في عمليات التشهير. فهو ابن عصره، عصر الكمبيوتر والهوائيات والعالم الذي لم يعد قرية كبيرة وإنما أصبح قرية صغيرة.
في مناقشة مع بعض الأصدقاء، تناولنا هذا الموضوع. قال صديق عاش لفترة طويلة في أوربا: " في بلدان هذه القارة وتحديدا في فرنسا، ليس من الذوق السليم أن تُسأل المرأة عن سنها أو أن يسأل الرجل عن دخله"، بالنسبة للمتناقشين، كان ذلك مفهوما فيما يخص دخل الرجل، فربما أراد إخفاءه عن الجهات المسئولة عن تحديد الضرائب وجبايتها. أما بالنسبة لعمر المرأة، فلم يكن ذلك مفهوما بالنسبة لمجتمعات تشكل فيها النساء العاملات نسبة 33 % من القوى العاملة في كل أنشطة الاقتصاد القومي، كذلك في مجتمعات تتبوأ فيها النساء المناصب القيادية في الوزارات والقضاء والجامعات والشركات. فالمرأة العاملة، سواء كانت خريجة جامعية أو أي مستوى تعليمي آخر لا بد لها من تقديم مجموعة كبيرة من الأوراق الرسمية عند بدايات دخولها إلى موقع العمل. ولا بد أن تضم مسوغات تعيينها، شهادة الميلاد التي تحمل تاريخ المولد بالتمام والكمال. كما أن حقوق العمل الحديثة تتضمن حصول هذه المرأة العاملة على حق الإحالة إلى المعاش حسب النظم المكفولة للعاملين في كل بلد. فكيف يمكن إذن أن يكون سن المرأة الأوربية هذه، من المحظورات والمحرمات في هذه المجتمعات؟!
نذكر مثالا " نعلم جميعا أن مار جريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، تولت رئاسة الوزارة عام 1980 وهي في السادسة والخمسين من عمرها ثم تركتها بعد أن تجاوزت عامها الستين بعدد من السنوات. وقد كتب ذلك بالبنط العريض في كل الصحف في المملكة المتحدة فكيف تستطيع مار جريت تاتشر أن تخفي سنوات عمرها أو أن تمتنع عن ذكرها وهي رئيسة لحزب المحافظين ثم وهي رئيسة لمجلس وزراء دولة أوربية كبيرة كالمملكة المتحدة؟ أظن أنه لو كانت مار جريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا قد راوغت في ذكر عمرها الحقيقي أو أنها قد أقدمت على "اللف والدوران" حوله، لكانت قد أصبحت مادة خصبة للصحف الشعبية في لندن طوال فترة بقائها في رئاسة الحزب والوزارة. وكانت قد أصبحت بطلة دائمة لكل رسامي الكاريكاتير لاذعي الريشة والأفكار في هذه الصحف التي لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وحولتها إلى مادة خصبة للإغراء الصحفي والمنافسة المهنية.
وينطبق نفس الشيء على النساء العاملات في كل البلدان بما في ذلك بلداننا العربية. فاتساع فرص التعليم أمام المرأة، ثم اتساع فرص العمل لها، جعلاها في وضع جديد. أعتقد أنه وضع يختلف اختلافا بينا عن ذلك الوضع القديم الذي كنت عليه النساء ربات البيوت اللاتي يمثلن، بالنسبة للأجيال الحالية، جيلا قديما امتلك أفكاره وتوجهاته وعاداته التي نبعت أو نشأت من ظروفه الخاصة القديمة هذه.
في صفوف الأجيال الحالية الجديدة، والأخرى القادمة، تتسع نسبة النساء الحاصلات على درجات علمية وعلى مستويات تعليمية مختلفة ومتنوعة، كما تتسع وتزداد نسب النساء المنخرطات في العمل الإنتاجي. وفي ذات الوقت تتسع أعداد النساء اللاتي يخصصن بعضا من أوقاتهن للعمل العام الاجتماعي وكذلك السياسي. فالمرأة الحديثة التي تتجه إلى المشاركة العامة والتي ترى في نفسها عنصرا أصيلا في بناء هذا المجتمع، تتشكل مفاهيمها و توجهاتها حسب تلك الظروف الجديدة المحيطة بها. ولا شك أن هذا التشكيل الجديد يمس ذلك التوجه وتلك الفكرة السائدة في التعامل مع سنوات عمرها.
فنحن نمتلك تجاه سنوات العمر، توجهين: يعني التوجه الأول الابتعاد عن الحيوية والنشاط والملاحة. وهي الصفات والخصائص التي تصاحب المرأة وهي صبية ثم وهي شابة ولا يستطيع أحد إنكار أن سنوات العمر الشابة تنعكس على ملامح وجسد وحركة الإنسان سواء كان امرأة أو رجلا، يكسب صغر السن الإنسان حيوية ونضارة، وتقل الحيوية والنضارة كلما تقدم الإنسان في عمره وبدأ يحمل، مع ما يحمل من مسئوليات الحياة، سنوات عمر ممتدة وراءه، ولا شك أن الإنسان، امرأة أو رجلا، لن يشعر بأي سعادة إذا نظر إلى سنوات عمره كمجرد مؤشر على استهلاك ما كان عليه، أو ما كان يمتلك من الحيوية والنضارة. وقد نلمس الراحة والسكينة إذا ما توجنا إلى سنوات عمرنا من منظورها الآخر، هو منظور الخبرة وامتلاك حكمة الحياة بحلوها ومرها. فسنوات العمر هذه ليست فراغا نتحرك فيه إنما هي حركة يومية مع مشاكل الحياة. ولا يهم هنا أن تكون المشاكل من ذلك النوع الحياتي الأسري البسيط وغير المركب أو أن تكون من هذه المشاكل العامة التي تنتج من احتكاك الإنسان بأطراف المجتمع الذي يعيش فيه ويعمل في صفوفه ويخوض تناقضاته. فالمشاكل سواء كانت بسيطة أو مركبة، هي في النهاية التي تسهم في صياغة خبرة الإنسان اليومية. ومن تراكم خبراته اليومية، البسيطة والمركبة، يمتلك كل من الرجل والمرأة خبرة الحياة كلها، ثم ينقلها إلى الأجيا اللاحقة له من أبناء أو أحفاد.
فحكمة الحياة، هي أنه مع تقدم العمر وسنواته تستبدل بالحقائق أخرى وبالقيم ما هو أرقى منها. لذلك عندما تنحسر كل من الحيوية والنضارة، تأتي مكانهما الخبرة وحكمة العمر. وربما كان من المفيد أن نتابع طرق ووسائل تناولنا المشاكل التي تواجهنا يوميا، سواء على المستوى الأسري أو المستوى العام، ونتساءل، ما هي الحلول التي كان من الممكن تقديمها لمثل هذه المشاكل إذا كنا قد تعرضنا إليها منذ عشر أو عشرين سنة مضت. وهل كانت الحلول هي ذات الحلول التي نقدمها الآن وبعد كل هذه السنوات التي نحملها على اكتافنا؟ إن مقارنة صغيرة بين الحلول التي كانت تطرح في زمان الحيوية والنضارة ستدلل على أن الحلول التي نقدمها في سنوات الخبرة وحكمة العمر ستكون أعمق وأكثر ملاءمة، لأنها في النهاية، الحلول التي تحمل معها خبرات العمر الطويلة وخلاصتها.
لكل فصل عطره
تترك سنوات العمر بصماتها وآثارها على الرأس وعلى الوجه. مع مرورها، تعلو الرأس الشعيرات البيضاء، ثم تتكاثر هذه الشعيرات في شكل غزوة أو هجمة عامة لتسيد نفسها على تلك الأخرى السوداء. وعلى الوجه ترتسم الخطوط وتتغير الملامح. ومع الوقت يشكل اللون الابيض مع تلك الخطوط هيبة خاصة بكل إنسان تدلل على أنه سعى إلى الحياة سعت بدورها إليها لتقدمه وتقدم خبراته إلى الآخرين.
لا ندري، لماذا نخاف من سنوات عمره؟ هل لأنها تبعدنا عن الحيوية والنضارة؟ إذا كان ذلك هو السبب، فكان يجب علينا أن نحب هذه السنوات وأن نسعى للتفاخر بها في كل زمان وفي كل مكان. أليست هذه السنوات هي التي تقربنا من الخبرات ومن حكمة الحياة. تكسبنا هيبة البشر. ثم أليست هذه السنوات هي التي جعلت منا آباء وأمهات، ثم أوجدت لنا أحفادا.
مع مرور السنوات يكتشف الإنسان أن لكل مرحلة عمرية رونقها وجمالها. المهم هو كيف نحاول ونحن في كل مرحلة عمرية مختلفة أن نتعرف على مكوناتها وإمكانتها ثم أن نحسن استخدام ما نملكه سعيا للاستمتاع الصحي به. فالجمال في الحياة، يكمن في تنوعها، وهو ما ينطبق على حياة البشر، فجمالها يكمن في تنوعها وتنوع مراحلها بدءا من سذاجة الطفولة مرورا بانطلاقة ومرح الشباب وصولا إلى أرقى ما يمتلكه الإنسان وهو خبرته وعلمه الدافعان للتغيير والتقدم، وهو ما لا توافر له إلا مع طول سنوات العمر، التي هي في الحقيقة سنوات الخبرة والمعرفة.
فعلينا ألا نخاف من سنوات عمرنا.
https://archive.janatna.com/